العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد
السؤال:
ما هي العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد؟
الإجابة:
توجد ظاهرة خطيرة اليوم تتمثّل بسوء الفهم الذي يرتبط بالعلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد. وللأسف قد أدّى ذلك ليس فقط إلى ضهور بدع وضلالات، بل أيضا تبلور في مضامين سياسيّة واجتماعيّة أججّت بعض الصراعات وخاصّة في الشرق الأوسط. وليس الهدف هنا الانخراط في أمور اجتماعية أو سياسيّة، بل الاستعانة بكلمة الله المتعلقة بهذا الموضوع. وأرغب الإشارة إلى ثلاثة نقاط مهمة آمل أن تساعدنا في الإجابة على السؤال المطروح أعلاه:
1- الكتاب المقدّس هو كتاب واحد لا يتجزأ:
-
يعلن الوحي المقدّس أن "كُلُّ الكِتَابِ هو مُوحىً بِهِ منَ الله، ونَافِعٌ لِلتَّعلِيمِ والتَّوبِيخِ، لِلتَّقوِيمِ والتَّأدِيبِ الَّذِي فِي البِرِّ" (2 تيموثاوس 3: 16). تشير هذه الآية الرائعة على ترابط كتاب الله. فكُلُّ الكِتَابِ - أي كل أسفار العهد القديم والعهد الجديد اللذين هما كتاب واحد - يعلن فكر الله ومخططه العظيم لخلاص الجنس البشري، كما سنشير أدناه. وهذا الوحي الكامل والمقدّس هو نفسه الذي قال عنه الرسول بطرس: "إنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الكِتَابِ ليسَت من تَفسِيرٍ خَاصٍّ، لأنَّهُ لم تَأتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسَانٍ، بَل تَكَلمَ أنَاسُ الله القِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ منَ الرُّوحِ القُدُسِ" (2 بطرس 1: 20-21). وكونه "موحى به من الله" يميّزه عن سائر الكتب. فشهادة الأنبياء ثابتة لأنها نازلة من السماء بوحي من الروح القدس وليست "بمشيئة إنسان". فهي مكتوبة ويمكن النظر فيها، والتحقق من صحتها وعصمتها من كل خطأ.
2- هدف الكتاب المقدّس هو خلاص الإنسان:
-
الكتاب المقدّس هو كتاب واحد ويشهد عن تاريخ واحد، يسرد تسلسل قصّة واحدة من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا. فالوحي المقدّس بمجمله يعكس هدفًا واحدًا عظيمًا وهو فداء الإنسان الخاطئ بواسطة الرب يسوع المسيح. لقد صدق اللاهوتي الكبير أوغسطينوس بقوله: "العهد الجديد كامن في العهد القديم، والعهد القديم جليّ في العهد الجديد". وقد قال الرب يسوع: "أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟ ثُمَّ ابْتَدَأَ [يسوع] مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لوقا 24: 26-27). إن مجمل مشورة الله، أي كلمته المقدسة وعلاقتها بكل الأمور، هي ضرورية لمجد الله وخلاص البشر. وكلّها دُونت بجلاء ووضوح في الكتاب المقدس بحيث أنها لا تترك مجالاً لإضافة أي شيء آخر عليها في أي زمان، سواء بوحي جديد من الروح القدس أو التقاليد البشريّة. فمشورة الله المعلنة في الكلمة المقدس هي كاملة وشاملة ولا يوجد أي حاجة لوسيلة أخرى لإعلان مشيئة الله بما يتعلّق بخلاص البشر. فكما أعلن الوحي المقدّس: "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ" (عبرانيين 1: 1-4).
3- يتكلّم الكتاب المقدّس عن شخص وليس عن أمّة أو شعوب:
-
تنبأ أنبياء العهد القديم كثيرا عن الزمن المسيّاني الذي يجيء معه السلام والخلاص. واعتقد اليهود خطئًا أنّ المسيح الذي سيأتي من نسل داود سيعيد مملكة داود التي سقطت، ويعيد بناء الهيكل الحجري. فبعد أربعمائة عام من فترة الصمت الواقعة بين آخر نبي في العهد القديم وبداية العهد الجديد جاء الرب يسوع معلنًا نهاية صمت هذه الفترة بتجسّد المسيّا. لكن اصطدمت توقعات اليهود الدنيويّة والسياسيّة بالمسيّا يسوع وبرسالته. فبنظرهم كان يسوع ثائرًا على تقاليدهم وتوقعاتهم، حيث أنه تكلّم عن ملكوت سماوي يؤسسه على الأرض بموته وقيامته والبشارة بإنجيله وليس ملكوتًا أرضيّا يتأسس بالحرب والقوة السياسية. ولكن البعض قبلوا رسالته ومنهم زكريا الكاهن اليهودي الذي تكلّم بوحي الروح القدس مشيرًا إلى يسوع: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ" (لوقا 1: 68-69). وحاول البشير متى أن يثبت لليهود أن المسيّا الذي كانوا ينتظرونه هو الرب يسوع المسيح. لذلك اقتبس من نصوص العهد القديم لكي يوضح بأن يسوع قد أكمل النبوءات. كما شرح بالتفصيل سلسلة نسب يسوع من نسل داود، واستخدم تعبيرات مألوفة عند اليهود (متى 1: 1-17). وبدأ البشير مرقس بسرد بداية إنجيل يسوع المسيح بالإشارة إلى تحقيق النبوءات بظهور يوحنا المعمدان، الذي كانت وظيفته أن يمهّد الطريق للمسيّا يسوع المسيح (مرقس 1: 1-8). وبدأ البشير لوقا بسرد الحوادث التي أدّت إلى إتمام النبوءات عن مجيء المسيّا-الرب يسوع (لوقا 1: 1-80). فتجسّد الرب يسوع قد كشف كل الرموز وأكمل كل النبوءات وأزال كل إشكال ودرأ كل شبهة لأنه: "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غلاطية 4: 4-5).
درس الدكتور بسّام في جامعة دمشق من 1973-1976. وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة سيمبسون - ردينج بكاليفورنيا (Simpson College-Redding California). ثم خدم كراعي في كنيسة في ولاية كاليفورنيا في الفترة من 1981 إلى 1985 وشمل ذلك الخدمة وسط العرب. حصل الدكتور بسّام على ماجستير في علم اللاهوت في عام 1993 وعلى درجة الدكتوراه في عام 1997 من كلية اللاهوت المُصلحة (Reformed Theological Seminary) حيث يقوم بالتدريس فيها كأستاذ زائر. وهو مؤسس ورئيس خدمة أبناء إبراهيم.